المواطن الحيوية
فلنفترض أنك تعيش في جزيرة بورنيو الواقعة في شمال شرق آسيا و أنك قررت أن تقضي إجازتك في مدينة موناوس في شمال البرازيل أو في شمال كوينزلاند في استراليا أو في مدينة تواماسينا في جزيرة مدغشقر شرق افريقيا و مع أن هناك مساحات شاسعة تفصل بين هذه الأماكن, فإنك ستلاحظ أن الطبيعة في كل منطقة من هذه المناطق متشابهه إلى حد كبير مع طبيعة المكان الذي افترضنا أنك أتيت منه, لماذا؟ لو قمت بالنظر في خريطة العالم فإنك ستلاحظ أن هذه المناطق تقع على امتداد واحد. لقد لاحظ عالمان الطبيعة: تشارلز دارون و ألفرد والس هذا التخطيط الحيوي من ذو زمن بعيد, و قاموا بتقسيم الأرض إلى مناطق جغرافية حيوية,. ثم قسم البيولوجيون مناطق الأرض إلى أجزاء أصغر معتمدين على نوعية النباتات و الحيوانات القاطنة لكل منطقة(شكل ٤), و تتوافق هذه المناطق بشكل عام مع المناطق المناخية مع أن هناك ضوابط بيئية أخرى لها أهمية في تشكيل هذه المناطق.
شكل ٤: المواطن الحيوية
üو نحن بني البشر لسنا باستثناء, فنحن كباقي الكائنات الحية لنا حصتنا من التفاعل والتغيير الناتج عنه.
ولكن لماذا...لماذا نحن البشر وفقط نحن البشر نلام على أفعالنا؟ لماذا هي نشاطاتنا الرامية إلى لا أكثر من العيش في راحة و تجنب المجاعة سبب في تدمير بقية العالم؟ أليست هذه الأفعال جزءا من حصتنا في هذا النظام البيئي؟....
الفصل الثاني : لماذا تمثل أفعالنا تهديداً للبيئة؟
الأنسان و موارد الأرض
لقد أثبتت الدراسات و الأبحاث أنه في كل مره يستوطن الإنسان فيها جزيرة من الجزر يحدث انقراض في الحياة الحيوانية و النباتية و تعد جزر هاواي و جزر الغلاباغوس مثال صريح على ذلك. و تشير الدلائل الاحفورية إلى أن أفريقيا ليست المكان الوحيد الذي يمكننا فيه مشاهدة قطعان كبيرة من الحيوانات الآكلة للعشب, فقبل ٥٠٫٠٠٠ سنه مضت كانت هناك قطعان كبيرة من الحيوانات الضخمة في كل قارة على الأرض باستثناء انتاركتيكا و لكن لماذا اختفت هذه القطعان؟ الجواب على هذا السؤال يأتي أيضاً من الدلائل الأحفورية, فهي تشير إلى أن ظهور الإنسان على الأرض تزامن مع الوقت الذي بدأت فيه هذه القطعان بالانقراض, فهل هذه مصادفه؟ فمثلاً في أمريكا الشمالية ثلثين الثديات الضخمة قد انقرض, فقبل ١٤٫٠٠٠ سنة كانت أمريكا الشمالية مماثلة لسهول السنرجيتي في أفريقيا, فكانت هناك قطعان ضخمة من الثديات العملاقة الآكلة للعشب و كما هو الحال في أي مكان يوجد فيه حيوانات مقتاتة للأعشاب يوجد أيضاً آكلات لحوم تقتات عليها من فهود و نمور متـُنـَيّبة[Saber-tooth cats]. لقد اعتقد الإنسان في الماضي أن موارد الأرض غير محدودة و لكن بعد مرور قرون من الزمان شاهد رواد الفضاء الأوائل بعد صعودهم للفضاء أن الأمر مختلف تماماً, فعندما تنظر إلى الكرة الأرضية برمتها فإنك حتماً ستدرك كم هي محدودةٌ و مترابطةٌ موارد هذا الكوكب الرائع. تـُعد قصة شجر اللوز البرازيلي من أكثر الأمثلة التي تـُظهـِر مدى ترابط و تشابك موارد الأرض. تمتلك شجرة اللوز البرازيلي علاقة تكافلية[Mutualism] مع كائنين: نحل اليوغلاسين[Euglossine bee] و الأغوتي[Agouti] و هو ضربٌ من القوارض(شكل ٥). فأنثى نحل اليوغلاسين هي الكائن الوحيد القادر على تلقيح هذه الشجرة حيث تحتوي زهور هذه الشجرة على أغطية ليس من السهل اختراقها من قبل الحشرات الأخرى ويلي ذلك دور الذكر الذي يحتاج إلى رائحة زهور هذه الشجرة لاجتذاب الإناث ثم التزاوج.

بعد إتمام عملية التلقيح تقوم الشجرة بإنتاج كمية هائلة من البذور لتضمن بذلك نمو بعضها. و لكن تكمن المشكلة في أن سباق البقاء التطوري جعل لهذه البذور غلاف حصين لدرجة أن النبتة الجنينية غير قادرة على اختراقه بدون مساندة و من هنا يأتي دور الأغوتي, وهو الحيوان الوحيد القادر على فتح هذه البذور. فماذا يفعل الأغوتي بهذه الكمية الهائلة من البذور و التي لن يستطيع التهامها دفعة واحدة؟ في الواقع يقوم الأغوتي بدفن بعض هذه البذور بعد مضغها في أماكن مشتتة في أنحاء الغابة لاستهلاكها لاحقاً و لكن في
نهاية الأمر ينسى الأغوتي معظم الأماكن التي قام بدفن البذور فيها مؤدياً إلى نمو الكثير من هذه البذور.إذاً لقد قدمت شجرة اللوز البرازيلي خدماتها للنحل و الأغوتي و بالمثل قدما النحل و الأغوتي خدماتهم للشجرة, فانقراض واحد منهم يعني انقراض الكل. إن محدودية و ترابط موارد الأرض هو السبب في أن أفعالنا التي يبدو بعضها بريئاً تمثل تهديدا للبيئة, ولكن كيف؟
١:-الإفراط في الحصاد[Over-harvesting]
نحن كغيرنا من الكائنات نحتاج إلى موارد لكي نبقي على قيد الحياة, ولكن الإشكالية ليست هنا و إنما في كمية ما نستهلكه من هذه الموارد, فلقد استهلكنا ثلث موارد العالم فقط في الثلاثين سنة الماضية و هناك إحصائية ترمي إلى أنه إذا إستمرينا في استهلاك موارد الأرض على النحو الحالي, فبعد ٥٠ سنة سنحتاج إلى كرة أرضية إضافية لتزويد البشر بالموارد! فكل ما تـُطور الأعداد المتنامية من البشر تقنيات جديدة تصبح قدرتها على الإفراط في الحصاد أكبر. و ما يلي هي أمثلة قليلة على إفراطنا في استهلاك موارد الأرض:
*الثروة السمكية: تواجهه المحيطات أزمة طارئة. نحن في طريقنا إلى إجلائها من السمك, فمنذ بداية القرن العشرين تم استبدال معظم السفن الشراعية بأخرى بخارية و ظهرت الكثير من الأساليب المدمرة, فمثلا من طرق الصيد الحديثة و المدمرة طريقة شبكة الجر[Trawling](شكل ٧) وهي طريقة مضياعة, فنصف ما يمسك في الشباك من سمك و غيره يـُقام بالتخلص منه و هذا بالإضافة إلى ما يـُحطم من شعب مرجانية. منذ عام١٩٠٠ تدهورت أعداد الكثير من فصائل السمك إلى نسبة ٩٠٪ و الوضع يزداد سوأً (شكل ٦).
الشكل ٦: مخزون العالم من السمك
شكل ٧: شبكة الجر
*الغابات المطرية: لقد سميت الغابات المطرية برئة الأرض و السبب في ذلك هو أن أكثر من ٢٠٪ من الأكسجين في العالم ينتج فيها ومع ذلك فلم تسلم هذه الغابات المدهشة من أيدي البشر, ففي السابق كانت الغابات المطرية تغطي ١٤٪ من مساحة اليابسة و الآن لا تغطي أكثر من مجرد ٦٪, وللأسف لازالت عمليات إزالة هذه الغابات جارية على قدم و ساق تلبية لمطامع البشر الغير حكيمة في الأراضي و الخشب . ويقدر الخبراء أن الأرض تخسر ١٣٧ فصيلة من حيوان, نبات أو حشرة في كل يوم وهنا يجب ذكر بعض مما تخبئه هذه البيئات الساحرة من كنوز:
(١)- أكثر من نصف فصائل العالم من حيوانات, حشرات و نباتات تعيش في الغابات المطرية.
(٢)- قد يحتوي الهكتار الواحد في غابة مطرية على أكثر من ٧٥٠ نوع من الشجر و ١٥٠٠نوع من الشجيرات.
(٣)- ٢٥٪ من المستحضرات الصيدلية تأتي من نباتات الغابات المطرية,و مع ذلك أقل من ١٪ من أشجار الغابات المطرية تم اختباره من قبل العلماء.
(٤)- بحيرة واحدة في البرازيل بإمكانها دعم تنوع من الأسماك يفوق ما يوجد في كل بحيرات أروبا.
(٥)- واحد من كل خمسة مكونات في الأدوية التي نستخدمها يأتي من الغابات المطرية.
(٦)- هكتار واحد من الغابات المطرية يمتص طن واحد من ثاني أكسيد الكربون في كل عام.
(.rain-tree.com) (شكل ٨ و ٢)
شكل ٨: الغابة المطرية
يقدر الخبراء أنه إذا استمر تدمير هذه الغابات على ما هو عليه الآن ستختفي آخر غابة مطرية خلال ٤٠ سنة. إذن لماذا الوضع على ما هو عليه الآن؟
يرجع السبب إلى قصر نظر الحكومات و شركات قطع الأخشاب الدولية و ملاك الأراضي حيث يُقيّمون هذه الغابات بما تنتجه من خشب غير مقدرين للقيمة الحقيقية لهذه الغابات و ما تحمله من كنوز للبشرية وللعالم الطبيعي.
٢-تدمير البيئات الطبيعية[Destruction of habitats]
كل كائن حي يحتاج إلى مكان ليعيش فيه و يقتات منه و يتزاوج فيه وفي كل مره نستحوذ فيها على أرض طبيعية لاستخدامها في زراعة أو بناء أو عندما نقوم بقتل الشعب المرجانية, فنحن بذلك نقوم بتدمير بيئات الآلاف من الكائنات الحية. ويمثل هذا التهديد الأكبر للعالم الطبيعي.(شكل ٩ ,١٠و ١١ ). و ما يلي هو أمثلة قليلة على تدميرنا لبيئات الأرض الطبيعية:
شكل ٩: تدمير بيئة الغابات المطرية